مرحلة الشباب بصفة خاصة مرحلة متميزة فلذلك كان عن الشباب سؤال خاص كما جاء في الحديث (وعن شبابه فيما أبلاه، رواه الترمذي)، لأنه هو المرحلة الذهبية في هذا العمر، فالشباب هو تاج العمر وزينته وبهجته لأنه المرحلة التي تنضح بالفتوة وتتميز بالقوة، وهو سرعان ما ينقضي إذ الشباب هو أشبه ما يكون بحلم يحلمه الإنسان ثم بعد ذلك يستيقظ عليه وقد انتهى، هكذا شأن الشباب وقد أجاد من قال:
شيئـان ينقشـعان أول وهـلة ظِلَُّ الشباب وخِلَّة الأشـرار
لا حبذا الشـيب الوفي وحبـذا غصن الشباب الخائن الغـدار
وطري من الدنيا الشباب وروقه فإذا مضى فقد انقضت أوطاري
قصرت مسـافته وما حسـناته عنـدي ولا آلاؤه بقـصـار
فإذا الإنسان وهو في مرحلة شبابه عليه أن ينتهز هذه الفرصة، وأن لا يجعل هذه المرحلة فرصة للعب واللهو والمرح والاشتغال بالملذات والشهوات، وإنما عليه أن يجعل من شبابه فرصة ثمينة للعمل الذي يقربه إلى الله تبارك وتعالى زلفى.
ولا ريب أن كل عمل صالح وكل ما يمكن أن يصلح الإنسان في دنياه هذه أو في آخرته فإنه ينبني على العلم ولذلك كانت هذه الرسالة ـ أي رسالة الإسلام ـ رسالة علم فالله تبارك وتعالى أول ما خاطب رسوله محمداً r قال له: { اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ {1}} سورة العلق.
لم يقل له أي كلمة أخرى، لم يخاطبه بالعبادة أولاً، لم يقل له اعبد أو أطع أو انقد أو أذعن أو نحو ذلك وإنما قال له اقرأ هذه الكلمة ذات المدلول الواسع بحيث إنها لا يمكن أن يفي بمعناها أي لفظ آخر، فإنه لو قيل بدلاً من هذه الكلمة اعلم أو تبين أو أدرك أو افهم أو تفهم أو نحو ذلك لم تف كلمة من هذه الكلمات بما تدل عليه كلمة أقرأ من أبعاد واسعة، بحيث إنها تدعو إلى القراءة، والقراءة إنما هي قراءة للمكتوب، والمكتوب إنما قراءته تحصيل للعلم بطرقه الكسبية.